بيداغوجيا التعاقد
تعرف بيداغوجيا التعاقد بكونها اتجاها بيداغوجيا يقوم على مبدإ تعاقد المتعلمين و مدرسهم و اتفاقهم على الالتزام بأداء مهام أو تحقيق مشاريع معينة، تسهم في تطوير الممارسة التربوية من جهة، و توطيد العلاقة الوجدانية الانفعالية بين المدرس و المتعلمين، و بالتالي الابتعاد أكثر عن العنف و الممارسات اللاتربوية.
و يفيد العالم التربوي ميالاري بأن التعاقد البيداغوجي هو ذاك الإجراء البيداغوجي المقتبس من ميدان التشريع والصناعة، يقوم في إطار العمل التربوي على اتفاق تعاقدي بين طرفين هما المدرس و التلميذ، و ينبني هذا الاتفاق على مفاوضة بينهما حول متطلبات المتعلم و أهداف التعليم و واجبات كل طرف و حقوقه، و أهداف و مرامي عملية التعليم و التكوين.
يكتسي العقد الديداكتيكي/البيداغوجي أهمية قصوى في مجال العلاقات البين فردية القائمة بين الفاعل التعليمي و المتعلمين خصوصا في مجال اكتساب التعلمات، و تحقيق الأهداف المحددة للنشاط التعليمي التعلمي. و بالتالي، ينبغي للمدرس أن يتعاقد مع تلامذته، و ذلك عن طريق تحديد المهام و الأدوار و الوظائف و الأعمال التي يجب أن يقوم بها كل طرف في علاقته مع الجماعة. فلا بد من تحديد و اجبات و حقوق كل من التلميذ و المدرس على حد سواء، و يجب أن يبنى هذا التعاقد الديدكتيكي/البيداغوجي على حرية المتعلم من جهة و سلطة المدرس و قدرته على ضبط القسم من جهة ثانية؛ و كي يحقق المتعلم أولا حريته، يرى الباحث حمد الله اجبارة، أنه عليه أن يعبر عن رغباته و يترجمها إلى أفعال، تسيرها حوافزه الذاتية التي تميزه عن باقي أقرانه كذات لها طموحها، و طريقة اشتغالها... أما ما يخص سلطة المدرس و قدرته على ضبط القسم، فيمكن هنا أن نميز بين سلطتين هما:
أ – سلطة شخص
أستاذا كان أم مديرا ...)، متمكن من تخصصه مطلع على تخصصات الآخرين، ضابط لآليات اشتغاله. و هذه سلطة مشروعة و غالبا ما يقبلها التلاميذ لأنها مبنية على سلطة معرفية و ليس على القمع و الاستبداد؛ مبنية على الاقتناع.
إن هذا النوع من السلطة يسهل عملية التواصل بين أفراد المجموعة داخل القسم الدراسي.
ب – سلطة شخص غير متمكن من تخصصه، غير مطلع على التخصصات التي تفيده، غير ضابط لآليات اشتغاله، و هذه سلطة غير مشروعة لا يقبلها التلاميذ لأنها مبنية على القمع. و هذا النوع يعوق عملية التواصل بين الأستاذ و التلاميذ.
-----------------------------------------------------------------------
مراحل العقد الديداكتيكي
(Pelpel 1986) لقد حدد
المراحل التي ينبني عليها العقد الديداكتيكي/البيداغوجي، و سنحلل كل مرحلة على حدة مبرزين الوظيفة البيداغوجية للمدرس عند كل محطة.
المحطة الأولى: الإخبار
يكون مشتركا بين المتعاقدين متعلقا بالبرامج و الأهداف و مدد الإنجاز و المعطيات المادية... و من ثم، فالوظيفة البيداغوجية للمدرس تبقى أساسية و حاسمة خلال هذه المحطة، حيث من الجائز أن يخبر الجماعة الصفية، بشكل صريح، بالأهداف و الكفايات التي ينوي تحقيقها من خلال الوضعيات الديداكتيكية التي يحضرها و يعدها، فضلا عن وضع الجماعة الصفية في الصورة و اطلاعها على القانون الداخلي للمؤسسة و محتوى البرامج الدراسية و المنهاج أيضا، وفق مقاربة شمولية تتوخى إشراك المتعلم في العملية التعليمية التعلمية بكل أبعادها، بغية تجويد الممارسة التربوية و تهييء المتعلم لاتخاذ القرارات السليمة و إكسابه روح النقد و التفاعل مع المادة الدراسية ليس على أساس معطى مادي فحسب بل كصورة من صور التطبيقات الاجتماعية ذات البعد المعنوي.
المحطة الثانية: الالتزام
أي مساهمة كل طرف (المدرس و المتعلم) في التوقيع على العقد و الالتزام ببنوده خلال إنجازه. و نظام الإلزام هذا هو بمثابة عقد بين المدرس و المتعلم، و معنى هذا أن عنصر المفاجأة أو التشويق أصبح أمرا غير مرغوب فيه حيثما يتم تحديد الأهداف و إشعار المتعلم بها و التعاقد عليها بين طرفي العملية.
و هنا يدخل الطرفان معا في استراتيجية محكمة تفرزها طبيعة المادة المعدة للتدريس، و تتقلص حرية المدرس هنا لتخضع لوتيرة التعلم بمعنى أن كل خروج عن هذه الوتيرة هو في حد ذاته نقض لهذا العقد.
إن الصيغة الضمنية للعقد الديداكتيكي/البيداغوجي تسود حيثما التزمت الأطراف بالمسؤوليات المحددة، و حالما يشذ التعليم عن مجراه يبرز هذا العقد بصيغة صريحة و يلزم العودة إلى تعديل مسار هذا النظام.
من خلال هذه القراءة التحليلية للمحطة الثانية تتضح بجلاء أن وظيفة المدرس البيداغوجية تتبدى في إقناع الجماعة الصفية بشكل سلس و ممنهج و صريح بعيدا عن التسلط و العنف و محاولة السيطرة على المواقف التعليمية التعلمية، بالالتزام العفوي و الإيجابي بالتعاقدات التي يتفق عليها الطرفان، و بالتالي، ضمان الانخراط التلقائي في جو العمل المدرسي أثناء مرحلة التفعيل و الإنجاز.
هنا يجب ألا يغيب عن بالنا أهمية «الالتزام» في الرقي بالفكر التربوي عامة و نقاء المناخ الذي تدور فيه أحداث الممارسة التربوية بخاصة.
و نتيجة لهذا التعاقد الصريح بين المدرس من جهة و التلميذ المستهدف الأول من العملية التربوية من جهة أخرى، يلتزم الطرفان بهذا النمط أثناء تقييم الوضعيات التعليمية و إنجازها، رغبة في تسهيل التواصل التربوي و تيسير سبل التعامل مع الانتاجات التعليمية التعلمية للمتعلمين.
المحطة الثالثة: الضبط
و يتعلق الأمر بتدبير سير العمل و مراجعته من طرف المتعاقدين. هنا ستتضح الوظيفة البيداغوجية للمدرس كطرف في العقد الديداكتيكي/البيداغوجي؛ حيث ينبغي تدبير سير الممارسة البيداغوجية بعد مفاوضة الطرف الآخر في العقد البيداغوجي و هو المتعلمين وصولا إلى اتفاق إيجابي، كيف ذلك؟
نأخذ كمثال النصوص القرائية التي تروجها المدرسة عبر منهاجها الدراسي و التي لها علاقة بالمقررات الدراسية؛ إذ يستوجب منطق التعاقد الديداكتيكي/البيداغوجي أن يتم اختيار النص القرائي الأنسب للجماعة الصفية و الذي يحاكي الواقع المعيش للمتعلم (أخذا بعين الاعتبار الوضعيات الدالة) و يلامس المستوى السوسيوثقافي للجماعة الصفية.. فوظيفة المدرس، بيداغوجيا، تكمن في التفاوض الإيجابي مع المتعلمين قصد اختيار النص القرائي الأجود و الأنسب في إطار مبادئ التربية على الاختيار، دون أن يغفل المدرس الالتزام الضمني و الرسمي مع التيمات التي تروجها المجالات التربوية وفق نظام الوحدات الديداكتيكية المعلن عليها، و بعبارة أخرى، الاتفاق مع المتعلمين حول النص القرائي المختار من طرفهم مع ضمان توافق قيمه البيداغوجية مع الكفايات المسطرة رسميا.
و كنتيجة لهذا الإجراء البيداغوجي، يحقق المدرس الكفايات المرجوة من خلال تقديم النص القرائي المتفق حوله بمعية المتعلمين، و بالتالي ضمان مشاركة عالية للجماعة الصفية في سبيل إنجاح الفعل التعليمي التعلمي.
المرحلة الرابعة: التقويم
و هي مرحلة فحص مدى تحقق أهداف العقد الديداكتيكي/البيداغوجي من لدن المدرس، حيث تغدو وظيفة هذا الأخير البيداغوجية خلال هذه المرحلة حاسمة للغاية، إذ يتعين عليه اختيار أنسب الآليات التقويمية قصد معرفة مدى تحقق أهداف العقد، و ذلك عبر استخدام نظام الفحص الذي تثوي خلفه ثقافة تشاركية
تربوية تروم تفعيل دمقرطة التعليم من خلال مشاركة المتعلمين في تقويم أهداف العقد. و هنا نستحضر البعد الإبداعي في الممارسة البيداغوجية، و وظيفة المدرس الأساسية في سبيل تقويم مدى تحقق أهداف العقد الديدكتيكي/البيداغوجي.
صفوة القول، من الغفلة عدم الانتباه إلى الجانب غير المضيء في تبني المدرس و المتعلم معا لأسلوب العقد الديداكتيكي/البيداغوجي؛ حيث يظهر هذا الأخير كإطار تنظيمي، عندما تنتهك أحد بنوده من طرف أحد الأعضاء المشكلين للعلاقة الديداكتيكية. و هكذا نلاحظ مع الباحث محمد لمباشري بأن طبيعة الصعوبات التي يواجهها المتعلمون في بعض الأحيان تكون ناجمة إما عن الفهم السيء لبنود العقد الديداكتيكي/البيداغوجي أو عن رفضهم لها، و لكن هذا الرفض غالبا ما يكون مستترا و ضمنيا لدى المتعلم المغربي لاعتبارات علائقية محكومة بهاجس الخوف و عدم القدرة على المواجهة.
و مهما يكن، فإن التزام المدرس بوظيفته البيداغوجية في إطار ما يسمى بالعقد الديداكتيكي/البيداغوجي سيساعد لا محالة في تجويد الممارسة التربوية، و تحقيق أهدافها المرجوة بكثير من الاقتناع و الليونة و بعيدا عن الممارسات التقليدية التي تحيل على التحكم المفرط و القمع المستفز و السيطرة المطلقة على المواقف التربوية